سورة الانشقاق - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الانشقاق)


        


{إِذَا السماء انشقت} تصدعت وتشققت {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} سمعت وأطاعت وأجابت ربها إلى الانشقاق ولم تأب ولم تمتنع {وَحُقَّتْ} وحق لها أن تسمع وتطيع لأمر الله إذ هي مصنوعة مربوبة لله تعالى: {وَإِذَا الأرض مُدَّتْ} بسطت وسويت باندكاك جبالها وكل أمت فيها {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} ورمت ما في جوفها من الكنوز والموتى {وَتَخَلَّتْ} وخلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو. يقال: تكرم الكريم إذا بلغ جهده في الكرم وتكلف فوق ما في طبعه {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} في إلقاء ما في بطنها وتخليها {وَحُقَّتْ} وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع، وحذف جواب (إذا) ليذهب المقدر كل مذهب، أو اكتفاء بما على بمثلها من سورتي التكوير والانفطار، أو جوابه ما دل عليه {فملاقيه} أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه.


{ياأيها الإنسان} خطاب للجنس {إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً} جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء {فملاقيه} الضمير للكدح وهو جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤثر فيها، والمراد جزاء الكدح إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وقيل: لقاء الكدح لقاء كتاب فيه ذلك الكدح يدل عليه قوله {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ} أي كتاب عمله {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} سهلاً هيناً وهو أن يجازي على الحسنات ويتجاوز عن السيئات. وفي الحديث: «من يحاسب يعذب» فقيل: فأين قوله {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قال: «ذلكم العرض من نوقش في الحساب عذب» {وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ} إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين، أو إلى فريق المؤمنين، أو إلى أهله في الجنة من الحور العين {مَسْرُوراً} فرحاً {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه وَرَاءَ ظَهْرِهِ} قيل: تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره {فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً} يقول: يا ثبوراه والثبور الهلاك {ويصلى} عراقي غير علي {سَعِيراً} أي ويدخل جهنم {إِنَّهُ كَانَ} في الدنيا {فِى أَهْلِهِ} معهم {مَسْرُوراً} بالكفر يضحك ممن آمن بالبعث. قيل: كان لنفسه متابعاً وفي مراتع هواه راتعاً.
{إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} لن يرجع إلى ربه تكذيباً بالبعث. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما عرفت تفسيره حتى سمعت أعرابية تقول لبنتها: حوري أي ارجعي {بلى} إيجاب لما بعد النفي في {لَّن يَحُورَ} أي بلى ليحورن {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ} وبأعماله {بَصِيراً} لا يخفى عليه فلا بد أن يرجعه ويجازيه عليها.
{فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق} فأقسم بالبياض بعد الحمرة أو الحمرة {واليل وَمَا وَسَقَ} جمع وضم والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم، أو من عمل فيه من التهجد وغيره {والقمر إِذَا اتسق} اجتمع وتم بدراً افتعل من الوسق {لَتَرْكَبُنَّ} أيها الإنسان على إرادة الجنس {طَبَقاً عَن طَبقٍ} حالاً بعد حال، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول. والطبق ما طابق غيره يقال: ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه، ومنه قيل للغطاء الطبق، ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم: هو على طبقات، أي لتركبن أحوالاً بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها. ومحل {عَن طَبقٍ} نصب على أنه صفة ل {طَبَقاً} أي طبقاً مجاوزاً لطبق، أو حال من الضمير في {لَتَرْكَبُنَّ} أي لتركبن طبقاً مجاوزين لطبق.
وقال مكحول: في كل عشرين عاماً تجدون أمراً لم تكونوا عليه. وبفتح الباء: مكي وعلي وحمزة. والخطاب له عليه السلام أي طبقاً من طباق السماء بعد طبق أي في المعراج.
{فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فما لهم في أن لا يؤمنوا {وَإِذَا قُرِئ عَلَيْهِمُ القرءان لاَ يَسْجُدُونَ} لا يخضعون {بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ} بالبعث والقرآن {والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أخبرهم خبراً يظهر أثره على بشرتهم {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} استثناء منقطع {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مقطوع أو غير منقوص، والله أعلم.